بدايـــــــة النـــــــــــــور
كانت حياة العرب قبل الإسلام مثالا للتخلف والجهل والضلال، حيث كان العرب يؤمنون بالرب خالق الكون وأنه يحيي ويميت، فصنعوا الأصنام من التمر والطين تقرباً إليه وسموها بأسماء كثيرة مثل اللات والعزة واعتقدوا انها تقربهم الي الله عن طريق الذبح وتقديم القرابين.
وكان للعرب في الجاهلية الكثير من المعتقدات مثل التطير والتشاؤم من أصوات البوم والغراب، والإيمان بالسحر بشكل كبير فكانوا لا يتزوجون في شهر شوال اعتقادا ان الزواج لن يكتمل، كما انتشر بينهم المنكر والبغي وشرب الخمر ولعب الميسر، وعظموا من أمر العرّافين بارتداء التمائم لتدفع عنهم الشر والحسد، وكانت تعامل المرأة بقليل من الاحترام والتقدير، فكانت تحرم من الميراث وكان اذا رزق احدهم الإناث اسود وجهه وقام بدفنها حيه مخافة العار، كما اباحوا الزنا حيث كان لهم بيوتهم الخاصة ذات راياتٍ يعرفن بها، ومع كل هذه الصفات الا ان العرب اشتهروا بالعديد من الأخلاق الحميدة مثل الجود والسخاء وإكرام الضيف، فكانوا يوقدون النار في الليل حتي يستدل المسافر علي بيوتهم، وتميز العرب بالصدق وكانوا يرفضون الذل ويتصفون بالعفة ومن خصالهم الجميلة حمايه الجار ومساعدته، وكانت لديهم صفات الصبر وتحمل المصاعب بسبب ظروف الحياة كالسفر لمسافات طويله، وتحلي العرب بالشجاعة والمحافظة علي العهود واعتمد العرب في الجاهلية علي الرعي والتجارة، وكان لوجود الصحراء وهذه الحياة البسيطة السبب في انتشار الشعراء وازدهار الثقافة والخطابة والأمثال والحكمة وكتابه الدواوين الشعرية في الغزل والهجاء والمدح - قال عمر بن العلاء "ان ما وصل مما قالته العرب قليل ولو وصل كاملاً لوصلنا الكثير من العلم والشعر"
وكانت لقبيله قريش الزعامة بين القبائل العربية، وكان بنو هاشم ومنهم والد الرسول - عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم ويعود نسبه الي نسل سيدنا اسماعيل عليه السلام - احد سادة قبائل قريش، وكان عبد المطلب قد نذر بأنه اذا أتم أبناؤه العشرية جعل آخرهم قربانا لله، وبذلك كان عبد الله هو الذبيح ولكن أقنعته قريش بأن يعدل عن ذلك، وكانت آمنه بنت وهب أم رسول الله تعيش في كنف عمها وهيب بن عبد مناف، فطلبها عبدالمطلب لأبنه فتزوجها فحملت في رسول الله، وعندما خرج عبدالله من مكة الي الشام مرض عند أخواله في المدينة، وتوفي وعمره خمسة وعشرون عاماً وكانت آمنه مازالت لم تضع حملها بعد.
ولد النبي في عام الفيل سنه ٥٧٠م وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة، ليعلن عن بداية النور الذي أضاء العالم كله، فقد رأت آمنه ان نورا يخرج منها أضاء القصور، وعند ولادته نزل واضعاً يديه بالأرض ورافعاً رأسه للسماء، ومن قمن بتوليدها قلن إنهن رأين النور يضيء من المشرق الي المغرب، ويقال ان من المعجزات ليله ولادته ان تهاوت اصنام الكعبة وارتج إيوان كسرى.
كانت قريش ترسل ابنائها الي القبائل المجاورة بمكة مثل بني سعد وبني ليث لرضاعه أبنائهن، وذلك لأن هذه القبائل اشتهرت بصفاء اللسان ونقاء اللغة، وعندما خرجت حليمه مع نسوة بني سعد ليلتمسوا الرضعاء في مكة، وكان معها ابنها الرضيع ولَم يكن في ثدييها قطرة من حليب، فما ان وضعت حليمة رسول الله في حجرها حتي امتلأ ثديها فشرب رسول الله وكذلك فعل ابنها، فقال لها زوجها والله يا حليمه لقد أصبت نسمة مباركه، فجاء الخير الى بيت حليمه حتي أدرت ضروع مواشيهم وكثر الخير، لذلك طلبت من امه ان يظل عندها لما يجلبه من خير وبركه، ولكنها ردته الي امه خوفا عليه بعد حادثة شق الصدر حيث مكث مع أمة حتي عمر ست سنوات، وعند وفاتها كفله جدة عبد المطلب وقد رق قلبه له واعتني به اعتناءً كبيرا وكان يفضله على أبنائه، ثم توفي وعمره ثماني سنوات فكفله عمه ابو طالب ورباه مع اولاده واهتم به اهتماما كبيرا فكان يصادق ويخاصم من أجله.
امتاز النبي – صلى الله علية وسلم - في شبابه بالحكمة والبصيرة فكان يساعد الناس ويحفظ الأمانات حتى لٌقب بالصادق الأمين، كما ظهرت حكمته عندما قامت قريش بإعادة بناء الكعبة واختلفت لمن أحقية وضع الحجر الأسود، فطلب بإحضار رداء ووضع الحجر بداخلة وطلب من كل قبيلة شاب ليمسك بطرف الثوب وقام هو بوضعه في موضعه في النهاية، وكان تاجراً محترفاً من سن العشرين حتي ان السيدة خديجه بنت خويلد وهي من اشرف نساء قريش، وأكرمهم أخلاقاً وأكثرهن مالاً، وكانت تبحث عمن تستأمنه على تجارتها بعد وفاة زوجها، فسمعت عن أخلاق محمد وصدقه وأمانته اتفقت معه ان يتاجر لها في مالها مقابل مبلغ من المال فوافق رسول الله، وخرج معه غلامها ميسره الذي شاهد علامات للنبوة في هذه الرحلة، مثل الشجرة التي جلس تحتها وما قاله الراهب عن الشجرة انه ما جلس تحتها إلا نبي، والعمامة التي كانت تظله من الحر وعندما اخبرها بما شاهد تمنت الزواج منه، فأرسلت له تعرض عليه الزواج فوافق الرسول وأرسل عمه ابو طالب لخطبتها، وتزوجها النبي وعاش معها حياة طيبه ورزقهما الله بسته أولاد.
كان محمد قبل الاسلام على ملّه إبراهيم، يرفض عباده الأوثان والأصنام، وكان يتعبد في غار حراء في جبل النور ليتأمل في الكون حتي نزل عليه الوحي وعمره اربعين عاماً، حين عاد الى خديجه وهوا يرتجف وأخبرها بما حدث فأخبرت ابن عمها ورقه بن نوفل وكان مسيحيا فقال لها أن هذا هوا الناموس الذي انزله الله علي موسى، وبدأ الوحي بالنزول علي رسول الله لمده ثلاثة وعشرين عاماً حتي وفاته.
بدأ رسول الله دعوته سراً لثلاث سنوات، وما كاد يجهر بدعوته حتى كانت له قريش بالمرصاد ولَم يجد منهم الرسول إلا الأذى، فهاجر من مكة الي المدينة مع صاحبه ابو بكر الصديق وشاء الله ان تكون المدينة هي عاصمه الإسلام، فخاض منها الرسول الغزوات والفتوحات، الى أن فتح الله له مكة فدخلها فاتحا ومنتصرا بعشره آلاف رجل دون قتال، وحطم كل ما كان يحيط بالكعبة من أصنام.
كان آخر ما نزل من القرآن "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. ". وكأنما كان يودعهم، بعدها مرض رسول الله وعانى في مرضه، خرج يوما لصلاة الفجر وعاد ليموت في بيت زوجته عائشة وهو يقول بل الي الرفيق الأعلى، وكانت وفاته في ١٢من شهر ربيع الأول في العام ١١من الهجرة.
كان رسول الله هو الصلة بين السماء والأرض وقد أتم الله تنزيل دينه بوفاة اخر حلقه من حلقاته، وان السماء لن تتدخل بعد الأن في ما يحدث علي الأرض، فلقد انتهى زمن الأنبياء والرسل وانتهت المعجزات، ولا تزال الأجيال تتعاقب وقد عرفوه وأحبوه دون رؤياه، لقد أحببناك يا رسول الله دون ان نراك فهنيئاً لمن اتبع سنته، لمن احبه عن ظهر قلب، اليوم هو ذكرى مولد النور الذي أضاء العالم وقضى على الجهل والظلام، نور الحق ونور الله يا حبيبي يا رسول الله
